استفاق اللبنانيّون البارحة على وقع الكوارث التي أصابت البلد. طرقات مقفلة، بحيرات برية، فيضانات، مسالك منهارة، ارتفاع لمنسوب مياه الأنهر، تصدّع جسور، أتربة وردميات في كامل أرجاء الوطن.
من الشمال إلى الجنوب، مروراً بالبقاع وجبل لبنان… مخالفات بناء على مدّ عينك والنظر. تعدّيات على الأملاك العامة وأملاك الدولة، وحتى بعض الأملاك الخاصة، كارثة تلوَ الكارثة، وفضيحة تلوَ الفضيحة منذ العام 2013.
تراشقٌ للمسؤوليات، طبعاً، اذ لا حسيب ولا رقيب. عجزٌ في عمل الوزارات بين الأشغال والطاقة ومجلس الإنماء والإعمار والبلديات، إنه لأمر مضحك مبكي. كل ما سمعه اللبناني منذ الكارثة التي حلّت بهِ منذ الـ 2013 هو الكلام عن دراسات واجتماعات ومؤتمراتٍ صحافية للتهرّب من المسؤوليات.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم على كل شفة ولسان هو:”من المسؤول؟”.
كل مسؤول أصبح يحترف التلطي، إما خلف تلكؤ وزارة، أو مجلس أو جهازٍ فنّي، أو تضارب الصلاحيات.
من يحدد المسؤوليات؟ من يفتح التحقيق؟ من يستمع إلى المشتبه بهم؟ من يحاسب؟ أين هم المدّعون العامّون في جبل لبنان والشمال والبقاع؟ أين هو النائب العام التمييزي؟ فضائح وكوارثٌ وأضرارٌ بالملايين سببها تلكؤ الوزارات والمجالس المعنية في القيام بواجبها؟ من يستدعي رؤساء البلديات وإتحاداتهم؟ من يستمع إلى أمراء المخافر والسرايا وقادة المناطق المنكوبة؟ من يأخذ إفادات المدراء العامين والوزراء؟ لا أحد.
هؤلاء يلعبون أدواراً في مسرحية “حوار الطرشان”. يعلمون أن أيٍ من المدعين العامين لن يتحرّك، إلا تلك “الخجولة” من الدكتور علي إبراهيم النائب العام المالي، مشكورٌ الرجل، ولكن هل بإمكان اليد الواحدة أن تصفّق؟ من سيستدعي متعهدي المناقصات؟ من سيدقّق في الأعمال المنفّذة؟ من سيعيّن الخبراء؟ من غضّ النظر عن عشرات المباني المخالفة عند تشييدها؟ من وقّع التراخيص؟ أين المجلس “الأعلى” للتنظيم المُدُني؟ كلّ يجتهدٌ في إلقاء التهم على آخرين، يتسابقون للظهور على شاشات التلفزة للتنصّل من المسؤوليّات طالما أن القضاء لا يحاسب.
وبعدها يتلهّى “شعب لبنان العظيم” بمشاهدة مطرب أم راقصة أو برنامج هزلي، ولا يُعر أي انتباه لمسار عمل مسؤولين دفعوا اللبنانيين، ولا سيما الشباب منهم، إلى الهجرة.
نشكر وزيري المال والزراعة في حكومة تصريف الأعمال المستمرة، حتى إشعارٍ آخر، على تنازلهم وحضورهم مع المنكوبين إلى أماكن الكوارث.
هل يعي اللبناني أن من هو مخوّل بالمحاسبة غائب عن السمع! هل يتذكّر اللبناني أنه في العام 2013 أصيب البلد بكارثة مماثلة، وما زلنا في طور الدراسات!
إلى متى سيتم التلاعب بالشعب الكادح؟ إلى متى؟ وكل ذلك بإسمه! بإسم الشعب اللبناني الذي يُخذل كل يوم.
متى سيستفيق هذا الشعب، ومتى سيستيقظ القضاء فيه؟