لطالما انقسم لبنان الرسمي والشعبي حول جوهر العلاقات مع الجار والشقيق الأكبر سوريا. وبعد 30 عاماً على الوجود العسكري السوري في لبنان و10 أعوام على لجوء قرابة 2 مليون لاجئ الى اراضيه، تكونت منظومة سياسية اقتصادية متداخلة بين البلدين على مستوى الدولة، الأحزاب، المؤسسات، الشركات، المصارف والافراد. يستهدف القانون الجديد النظام السوري وداعميه بمن فيهم روسيا إيران الصين العراق ولبنان، الذي ينوء اقتصاده تحت حالة من الاختناق المزدوج بحكم ما يعانيه من انهيار مالي ونقدي ناتج عن دين عام وفساد.
أيّ فرد، مؤسسة، كيان، شركة، حزب او دولة، يبيع او يشتري او يسهل أي نوع من أنواع الخدمات التكنولوجية، التجارية، العسكرية والاعمارية أو المتصلة بالطاقة ستشمله العقوبات. وبصرف النظر عمّا إذا كان القانون سيُمارس بنفس القسوة على النظام، كما على داعميه، او كونه مجرد عنوان ضاغط، لا شك انه عصا سيُستخدم على مائدة المفاوضات الدولية. فحين يكون النظام ملاحقا بتهمة ارتكاب جرائم قتل وابادة وتعذيب ترقى الى جريمة ضد الإنسانية، تصبح كل الدول الداعمة له مشمولة بالعقوبات.
إنّ الطموح اللبناني بالمشاركة بمرحلة إعادة الاعمار تحول الى كابوس وذلك تعويضاً للخسائر الاقتصادية الناجمة عن ازمة اللجوء، بعد ما تحمله الاقتصاد وما ترتب على أراضيه وبنيته التحتية من إنهاك. فور دخول قيصر حيز التنفيذ، يُمنع على الشركات اللبنانية ورجال الاعمال أي عمليات استثمار او تعامل تجاري مع سوريا في القطاعات التي يشملها القانون. بيد أنّ لبنان كان قبلة أنظار الروس والصينيين والإيرانيين والعراقيين والاوروبيين للعبور الى سوريا ليكون منصة محورية.
اما القطاع المصرفي المتهاوي في لبنان يقع من جديد تحت سيف العقوبات على حزب الله، وذلك نتيجةً لدوره الداعم للنظام السوري خارج الحدود. وهكذا يخسر لبنان حالياً رهاناته بإعادة الاسهام ببناء القطاع المصرفي السوري وقطاعات أخرى. فالعقوبات التي يتضمنها ستجعل كل شركة او هيئة تعمل ثنائياً بين البلدين او مباشرةً مع أحد اركان او داعمي النظام تتوقف فوراً تحت تهديد العقوبات واقفال فروعها.
وصل الإنذار الأميركي الى لبنان في شباط 2019 بالتوقف عن أي عملية تعاون مع النظام. في وقت كان مرفأ طرابلس، يتحضر ليكون ضمن شبكة إمداد وملاحة بحرية تعمل على توريد للداخل السوري المواد الأساسية، ونقطة مركزية للشركات الأجنبية القادمة من الصين وروسيا وأوروبا والعراق. خلال معرض دمشق الدولي 2018، عدد كبير من الشركات ورجال الاعمال كان لهم منصات للتواصل والتحضير لآليات التعاون لمرحلة ما بعد الحرب وذلك في قطاعات الصناعة، السياحة، الطاقة، المصارف والتكنولوجيا.
يرتبط اقتصاد البلدين بموجب بروتوكولات تعاون على مستوى التجارة والصناعة والزراعة والبناء والطاقة، إضافة الى مفهوم التنسيق والتعاون المشترك الذي كان سائداً خلال حقبة الهيمنة السورية والنظام الامني اللبناني السوري المشترك والذي بموجبه تتواصل مفاعيل التهريب عبر المعابر غير الشرعية والتهرب الجمركي.
إنّ القطاع الخاص اللبناني لديه علاقات متفاوتة مع القطاعين الخاص والعام في سوريا. فالكثير من رجال الاعمال السوريين لديهم اعمال في لبنان وحسابات مصرفية والعكس صحيح. لا يوجد رقم دقيق لحجم الشركات السورية في لبنان. ولا شك أنّ التنقيب عنها يتطلب دراسة تجريها وزراه الاقتصاد. علماً أنه لا يوجد شركة في سوريا لا تود العمل في لبنان والعكس صحيح في ظل جو اقتصادي يحذر الطرفين من محاذير العقوبات.
إنّ العقوبات على حزب الله اوجعت الكثير من الشركات ورجال الاعمال اللبنانيين الذين يدورون في فلك الشبكة المالية اللبنانية-السورية. فأصبح من الصعب على المنظومة اللبنانية المعروفة بعلاقاتها السياسية والمالية مع المنظومة السورية مواصلة تعاونهما، ما سيؤدي إلى توقفه تدريجياً. فـقيصر بقانونه الخانق سيعبر اقتصادات 5 دول، وبدأ الخطر بمداهمة القطاعات الاقتصادية لحظة دخوله حيز التنفيذ.
إنّ لبنان اليوم ملجأ لقرابة 2 مليون لاجئ سوري، والمصارف اللبنانية هي أيضاً منصة لآلاف الشركات المهاجرة الى لبنان ومليئة بالحسابات لرجال اعمال سوريين وأموالهم المهربة. تفكر الهيئات الاقتصادية في كيفية استمرارها، خصوصا أنّ العقوبات ستطال الجميع في حال عدم التوقف عن كافة اشكال التعاون مع النظام. وهي عقوبات جعلت حتى روسيا تغير سلوكها وحساباتها فور اعلان إقرار القانون، إذ أوقفت نشاط شركاتها عبر ميناء طرطوس.
وسبق وان طالت العقوبات الأميركية في لبنان مصارف وشركات شحن وذلك لتسهيلها خدمات مالية ولوجيستية من إيران الى سوريا. وفي العام الماضي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قناة “لنا” الفضائية التي يملكها رجل الاعمال السوري سامر فوز والتي تبث من لبنان بسبب بثها إعلانات تجارية تشجع الاستثمار في مشاريع حكومية في سوريا ما بعد الحرب.
يعجز لبنان عن رفض العقوبات، حتى روسيا وإيران والصين يعيدون حساباتهم ويدرسون خطواتهم. وها هو يدخل اليوم مجازفة اقتصادية تضاف الى تحدياته. كل المصارف والمؤسسات تكيفت مع مسألة فرض العقوبات ومن ضمنها تلك التي تم تضييق الخناق عليها واقفال إحداها صيف العام الماضي. الكثير منها اتخذت خطوة الى الوراء وخففت تعاملها المباشر مع اركان السلطة السورية وذلك ضمن القطاعات التي تشملها العقوبات استجابة للضغوط الأميركية. فلا دراسات دقيقة منذ بداية اللجوء السوري عن الحجم الفعلي للهجرة الاقتصادية للمؤسسات السورية. فحجم الارتباطات التجارية المباشرة بين القطاعين يعتبرها البعض محصورة بأنشطة معينة.
بموجب قانون العقوبات الجديد والذي يحمل اسم قانون حماية المدنيين في سوريا، على الحكومة اللبنانية ان توقف تعاملاتها مع النظام وان تبلغ كل الشركات والهيئات الاقتصادية باتخاذ الإجراء نفسه كي تجنب لبنان عقوبات خانقة تزيد اقتصاده تأزماَ.
الكل سيدير ظهره للنظام السوري خوفا من العقوبات ومن سيواجه بالتخفيف من تأثيرها سيكون على مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية ووزارة دفاعها التي تبنت القانون ووضعته ضمن ميزانيتها للعام 2020 البالغة 738 مليار الدولار. تحتاج العقوبات القادمة الى مساعدة تقنية متخصصة، مصرفية وإدارية، لاقتفاء أثر المخالفات على مستوى رسمي وتجاري لدراسة كيفية استجابة لبنان للشروط الدولية واتخاذ الخطوات اللازمة إن كان للحكومة من هامش القرار والخيار في هذا المجال.
جيسيكا رزق المعلوف
For any top blogger who wants to work today and who is interested in finding a few new online jobs, then it should be an easy consideration to go looking to TOP platform first. TOP platform is truly one of the very best options for freelance writing jobs for bloggers.