بقلم الدكتور ابراهيم عبدالله المطرف
تعتبر مناقشة الدور الاجتماعي للمجموعات الاقتصادية وطبيعة البيئة التي تعمل فيها ، من المواضيع التي أثارت جدلا كبيرا في الأوساط العلمية والأكاديمية ، وفي أوساط المجتمعات الاقتصادية ورجال المال والأعمال .
وتمتد جذور المسئولية الاجتماعية إلى عمق تاريخي طويل ، ووفق دراسة للدكتور يوسف عواد “فإنها قد ارتبطت بتطور الفكر الإداري ، وتأثرت بالعديد من المتغيرات ، التي أدت إلى تعزيز قبولها في حيز الواقع ، أو إلى انحسارها أو حتى تجاهلها أحيانا ، وذلك تبعا لأسباب كثيرة كان من أبرزها طبيعة البيئة المحيطة بالمنشأة ، وما ساد من فهم متباين للمسئولية الاجتماعية ، لدى مسئولي الشركات والمؤسسات والمنظمات وغيرها” .
وقد أدركت مؤسسات القطاع الخاص ، أنها غير معزولة عن المجتمع الذي تعيش فيه ، وتنبهت إلى ضرورة توسيع مناشطها لتشمل ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية ، مثل هموم المجتمع والبيئة ، والى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ، بالأضلاع الثلاثة التي عرفها “مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة” وهي النمو الاقتصادي ، والتقدم الاجتماعي ، وحماية البيئة .
وعلى مستوى العالم ، فقد لوحظ ان الاهتمام بموضوع المسئولية الاجتماعية يتنامى ويتوسع ، وذلك بإعتباره عاملا رئيسا في التنمية . وقد بلغ ذلك التوسع في مفاهيم ومبادىء المسئولية الاجتماعية ، إلى الدرجة التي لم يعد تقييم شركات القطاع الخاص يعتمد على الربحية فقط ، ولم تعد الشركات تعتمد على بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط ، بل بقدرتها أيضا على إثبات أنها غير معزولة عن مجتمعها المحلي ، وعلى مدى التزامها بالأضلاع الثلاثة المشار إليها اعلاه .
ولقد أصبح الحديث عن المسئولية الاجتماعية ، عنوانا للندوات والمؤتمرات وورش العمل ، ومجالا خصبا للدراسات والبحوث في مجال الأعمال ، سواء كان ذلك من قبل الأكاديميين كأفراد ، أو على مستوى مراكز البحث العلمي ، أو المؤسسات التي أخذت تنشأ في مناطق المختلفة ، للعناية بموضوع المسئولية الاجتماعية . وقد تزايد في الوقت نفسه ، اهتمام الحكومات والشركات نفسها ، وبات ينظر إلى المسئولية الاجتماعية ، على أنها جزء لا يتجزء من إستراتيجيات الشركات ، بهدف التفاعل مع المجتمع .
هناك الكثير من التعريفات للمسئولية الاجتماعية ، وكان أول تعريف لها جاء من Peter F Drucker عام 1977 ، وكان تعريفا مختصرا جدا ، وهو “إلتزام المنشأة تجاه المجتمع الذي تعمل فيه“.
وقد تلى ذلك الكثير من التعريفات الصادرة عن الاكاديميين الذين اهتموا بحثا بمجال المسئولية الاجتماعية ، الا ان التعريفات التي يتم استخدامها من قبل الحكومات وقطاع الاعمال ، هي التي صدرت عن المجالس المهنية .
فقد عرف “مكتب العمل الدولي” المسوؤلية الاجتماعية بأنها “طريقة تنظر فيها المنشآت في تأثير عملياتها في المجتمع ، وتؤكد مبادئها وقيمها في أساليبها وعملياتها الداخلية ، وفي تفاعلها مع قطاعات أخرى“.
وعرفها “البنك الدولي” بأنها ” التزام بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيها والمجتمع المحلي ككل ، لتحسين مستوى معيشة الناس ، بأسلوب يخدم التجارة والتنمية في آن واحد” .
وتساهم المجموعات الاقتصادية في تفعيل المسئولية الاجتماعية من خلال “أبعاد خمسة” هي البعد الثقافي ، والبعد الاجتماعي ، والبعد البيئي ، والبعد الاقتصادي والبعد القانوني .
يركز البعد الثقافي على نشر ثقافة الالتزام بالأنظمة والقوانين في المجتمع ، وتعزيز الثقافة الوطنية والتاريخية ، والتواصل الثقافي بالعالم . بينما يركز البعد الاجتماعي على تعزيز القيم الاخلاقية والتكافل الاجتماعي ، ومواجهة الكوارث والازمات ، ودعم الانشطة المختلفة كالرياضة والصحية وغيرها .
ويركز من خلال البعد البيئي على تطوير بيئة العمل والالتزام البيئي محليا وعالميا . أما البعد الاقتصادي فيركز من خلاله على دعم الانشطة الاقتصادية والاجتماعية ، والالتزام أخلاقيا بالأنظمة والقوانين المتعلقة بممارسة العملية الاقتصادية ، والاهتمام بتدريب الموظفين وتطويرهم ، والتعامل معهم بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة .
اما البعد القانوني فيركز من خلاله على الالتزام بالقوانين المحلية والوطنية في ممارسة النشاط الاقتصادي ، ومراعاة القوانين الدولية ، والشفافية في نشر الأنظمة والقوانين لإطلاع الموظفين والجهات القانونية الأخرى عليها .
هذا ويرتبط نجاح المجموعات الاقتصادية في تبني مفهوم المسئولية الاجتماعية بالعديد من العوامل ذات العلاقة بالرؤية والتنظيم ، ومنها ضرورة التأكيد على المسئولية الاجتماعية في خدمة المجتمع ، وتحديد رؤية واضحة للدور الاجتماعي الذي تريد أن تتباه الشركة ، والقضية الرئيسة التي ستسهم بالعمل على المساهمة في مواجهتها ، وتخصيص مسئول متفرغ لهذا النشاط تحدد له الأهداف والخطط والبرامج ، مع تقديم قوي ومتميز للبرامج وبجودة عالية ، إضافة إلى حسن الإدارة أثناء قيام الشركة بنشاطها الاقتصادي ، من خلال الالتزام البيئي وإحترام القوانين وتطبيق المواصفات وغيرها .
وتشير التجارب الدولية في المسوؤلية الاجتماعية ، الى أن أهم “المزايا” التي تجنيها الشركات التي تلتزم بمسئوليتها تجاه مجتمعها المحلي ، تتمثل في تحسين سمعة الشركة ، وتسهيل الحصول على الائتمان المصرفي ، واستقطاب اكفأ العناصر من الموارد البشرية ، وبناء علاقة قوية بالمؤسسات الرسمية .
وفيما يخص “قياس” المسوؤلية الاجتماعية ، فان ذلك يخضع لعدد من المعايير والمؤشرات التي يمكن استخدامها في قياس الدور الاجتماعي الذي تؤديه الشركات ، من خلال مناشطها الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بطبيعة عملها ، وقياس دور الشركات في تحمل مسئولياتها الاجتماعية تجاه الأطراف المتعددة ، سواء داخل الشركة أو خارجها ، وذلك بهدف الوقوف على تطور الاداء ، ومقارنته باداء شركات مماثلة في المجتمع .
ان قيام الشركات بدورها تجاة المسئولية الاجتماعية ، يضمن إلى حد بعيد دعم المجتمع لأهدافها ورسالتها التنموية ، والمساهمة في إنجاح اهدافها ، التي من بين اهمها سد احتياجات المجتمع ومتطلباته الحياتية والمعيشية الضرورية ، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة ، من خلال إقامة المشاريع والمبادرات الاجتماعية والخيرية ذات الطابع التنموي .