تشيرُ بعض المؤشرات المتوفرة لَدى معنيين مواكبين للملَف الحُكومي، بقُرب تبلور صورة واحد، تَفيد في استيلاد حكومة بين التشرينين، وهو ما حدا بمرجعٍ نيابي لإبلاغ زواره في السّاعاتِ الماضية، بتوقُع حصول “دفشة” بدء من مطلع الأسبوع القادم الذي يُصادف إنطلاقة تشرين الأول. وعند سؤاله حول توقعاته من “الدفشة” أجاب أنه “وفي حالِ استمر التّجانس في المواقف، من فوق الطاولة وتحتها، قد نصل الى صورة واحدة في منتصف تشرين، وقد تترجم المساعي الى خلاصةٍ تنتج حكومة”، لكنه أبقى التوقعات ضائعة بين الأول والثاني.
إلا أن الوضع الرّاهن يكشف أن محاولات اجتراح حكومة من فكِ المطالب ما زالت تدور في الصالوناتِ السياسية الداخلية ، ولم تخرج بعد الى العلن في مستوى يَجعلها على قدر طموحات الإنتاج، فيما الأوضاع الإقليمية التي لا يُمكن تجاهل دورها في صب المفاتيح وفتح الأقفال، ما زالت ضبابية وخاضعة لتقلبات مناخية – سياسية لا تُعطي مؤشرات بعد حول تقديم دفوع شكلية قد تفرج عن صيغة ما.
لكن الأجواء السّياسية التي توفرت لدى أكثر من مجلس، معطوفة على تسريبات من فريقِ قصر بعبدا حول أفكار ينتظرها رئيس الجمهورية ميشال عون الذي استهل نشاطه في قصر بعبدا عائداً من نيويورك، وأُخرى يحملها من أجل دفع العمل الحكومي قدماً، موصولة بجولات يقوم بها الرئيس المُكلف سعد الحريري على الأفرقاء المعنيين بالعقد الرئيسة، قد تعطي صورة عن احتمال حدوث هذا الخرق في المدى المنظور.
وثَمّة مؤشرات أخرى، يقول معنيون بملف التشكيل، أن ليس هناك من قدرة على الغائها أو تجاهُل مفاعيلها أو قدرتها على إنتاج هذا الحل، كالتَناغُم الذي ظهر أخيراً بين الرئيس المكلف سعد الحريري وكتلة نواب حزب الله في جلسةِ تشريع الضرورة، ما قد ينسحب إيجاباً على مسألةِ تأليفِ الحُكومة، عَطفاً على اللّقاء الذي أجراه الحريري مع المُعاون السياسي لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الحاج حسين الخليل، قُبَيل سفر الرئيس المكلف الى لاهاي، وابقيت مضامينه طي الكتمان.
وعلى الرُغم من خلو الساحة من أي مؤشّر واضح حتى الآن عن دخولِ حزب الله مدار الحل، تكشف معلومات مستقاة عن مصادر المعنية بملف التشكيل، أن موفداً، زار قصر بعبدا بعيداً عن الإعلام قُبَيل سفر الرئيس عون الى نيويورك، ونقل إليه رسالة حول رؤية الحزب للتشكيل، وكان من بين الرؤية، تضمنها اقتراح مخرج يقوم على منح حزب القوات اللبنانية موقع نائب رئيس مجلس الوزراء من ضمن الـ ٤ حقائب التي جرى التوافق فيها بين بعبدا – بيت الوسط – معراب.
الإقتراح الذي تقول مصادر أنّه أتى على شكلِ نصيحة، استند على أن المنصب مَوْضِع الطلب من معراب والإهتمام من بعبدا، يعتبر فخرياً ولا مفاعيل عملية أو سياسية له بظل فقدانه للصلاحيات، ولا يتمتع بحقوق ابداً، لِذا مَنحُه للقوات اللبنانية لا يُقدم أو يؤخر في الأمرِ شيئاً، وهو أقرب الى كونه وزارة دولة من نيابة رئاسة حكومة.
مصادر قريبة من بعبدا ، وإذ لم تُعلّق بالنفي أو تأكيد حصول الزيارة، قالت أن رئيس حزب القوات سمير جعجع، لا يَسعى من خلف موقع نيابة رئاسة مجلس الوزراء إلا الى ربط حصرية تمثيل الارثودوكس بثاني مُوقع لهم في الدولة، بشخصه هو، من أجلِ اقتطاع ذلك عن الرئيس وإعطاء طابع شبه ميثاقي لدور جعجع، قد يستخدمه اداةً للضغط في مجلسِ الوزراء، مع عِلمه أن مفاعيله ليست كَمفعول إبقاء ورقة ميثاقية طائفية كاملة بيد زعيم سياسي واحد.
وقبل وصول الرئيس عون الى بيروت، فَعل الرئيس المُكلّف محركاته طالباً لقاء جعجع كإستباق لأية صيغة تُعرَض وفي مستهل دوزنة صيغة منقّحة، مُبلغاً إياه، وفق ما سُرِب عن الإجتماع، أنه أجرى إعادة هندسة على التشكيلة المبدئية التي رفعها للرئيس عون قبل مُدة، مُضيفاً عليها موقع نائب الرئيس من حصةِ القوات، بما يكفل حل العِقدة المسيحية، لكن جعجع أَصر الى جانبِ هذا الموقع الحصول على ٤ حقائب لا ٣، وقد أُبقي النّقاش حول هذا الموضوع مفتوحاً.
وتعتقد مصادر، أنّه و بالإستناد إلى الخُلاصات التي جرى تجميعها في اللقاءاتِ الماضية، سيّما إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن حل العقدة الدرزية التي يطرحها النائب السابق وليد جنبلاط “بسيطة وعنده”، والجديدة التي توفرت حول تنازل يَقضي بمنح القوات ما تريد من نيابةِ رئاسة الحكومة، يُصبح حل العقدة المسيحية مسألة وقت وحل العقدة الدرزية قائماً، ما دام بري أعلن قدرته على ذلك، والقوات تقترب من إعلان الرضى عن ما يُطرَح عليها.
لكن مصادر مواكبة لعملية التأليف، ما زالت تتريث وتُحاذر الإيغال بالتفاصيل، وتبدي حرصاً كبيراً على المساعي ونتائجها التي تقاربها بشيء من الحذر المدروس، على قاعدة “علّمتنا التجارب أن لا نُبالغ أو نُفرط في التفاؤل كي لا نَستيقظ في اليومِ الثاني على كف يصرَعُنا لعدّة أيام ويجعلنا خارج مضمار الواقع”.
عبدالله قمح