الضجّة داخل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لم تهدأ بعد. «فضيحة» تورّط ضباط وعسكريين في ملفات فساد تأخذ منحى أكثر إحراجاً وخطورة. التدخلات السياسية باتت «على المفضوح» ووصلت الى حدّ فتح النائب السابق وليد جنبلاط حرباً على جهاز أمني، هو «شعبة المعلومات»، «خطأه» أنه يكافح الفساد داخل «المديرية» وخارجها بعيداً من الإعتبارات الطائفية أو السياسية.
«الجمهورية» في عددها الصادر الاثنين 24 أيلول، كانت أول مَن سلّط الأضواء على فضيحة «تستير» جنبلاط على الضابط في الشرطة القضائية العقيد و.م المدان بالوقائع والأدلّة الدامغة، بتهم فساد وقبض رشاوى.
لكنّ محاولة استيضاح الجانب الجنبلاطي عن حقيقة «الفضيحة» لم تقد الى مكان. الوزير السابق غازي العريضي نَكر علمه بالموضوع، مع العلم أنّ الضابط المدان ينتمي الى بلدته بيصور، وهو يدفع في اتّجاه عدم محاسبته. الوزيران وائل أبو فاعور وأكرم شهيب اللذان «اشتغلا» مباشرة على خط الوساطة، بتكليف جنبلاطي، لإبعاد سيف المحاسبة عن الضابط و»تسكير الملف» رفضا التعليق على الموضوع، الى أن أخذ جنبلاط الأمر بصدره وقالها بالحرف الواحد: «بدكم تحاسبوا، حاسبوا الجميع». وصل الأمر بجنبلاط، كما نقلت مصادره، الى حدّ «معايرة» المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان قائلاً له: «بلّش مكافحة الفساد من عند وزيرك أوّل شي»!
رئيس مكتب مكافحة جرائم الآداب أنهى الثلثاء الفائت عقوبة توقيف 30 يوماً في القضية نفسها. كذلك أنهى 20 عسكرياً متورطون بالملف نفسه عقوبتهم، مع العلم أنهم كانوا يتولون تسليم المال للعقيد و.م، المحسوب على جنبلاط، والذي تفيد التحقيقات أنّ ارتكاباته «نقطة في بحر» التهم المنسوبة الى رئيس مكتب مكافحة جرائم الآداب السابق. الموضوع حالياً في تصرف المدير العام، وإحالته الى المجلس التأديبي مرتبطة بالوجهة التي سيسلكها هذا الملف، فيما تضجّ المديرية بأحاديث عن ضباط آخرين متورطين في الملف نفسه.
«الفضيحة» عمرها شهر، و»المديرية» لا تزال تنتظر رفع الحظر الجنبلاطي. «شعبة المعلومات» أنهت تحقيقاتها مع مضبطة إتهام كاملة، وبتّ الملف بإصدار قرار توقيف العقيد و. م بيد اللواء عثمان.
ردّة فعل جنبلاط، كما يبرّرها قريبون منه، إستندت الى شعوره بأنّ هناك حملةً موجّهة ضده تُحرِجه أمام شارعه الدرزي. فتحقيقاتُ «الشعبة» تزامنت مع إقالة موظفَين درزيّين من موقعهما، على خلفية «حرب الإقالات» مع العونيين، وإحالة وزير العدل سليم جريصاتي القاضي أسامة اللحام الى التفتيش المركزي، أضف الى ذلك إقتناع «البيك» بأنّ هناك «إيد وإجر» في محاسبة موظفين وضباط في إدارات الدولة كافة!
سخرية جنبلاط بلغت حدّ «التنمير» على «شعبة المعلومات» ناصحاً إياها «بالتزوّد بنملية عند الضرورة لحفظ ملفّاتها بعيداً من تسريب الأخبار للصحف وتعريض كرامات الناس لشتى أنواع البرغش». على سيرة «الكرامات»، بالتأكيد تبدو كرامة «المديرية» وهيبتها «بالدق». فضباطها وعسكرها يجزمون «بأنّ عدم السير في الملف حتى نهايته ومحاسبة المسؤولين عنه هو ضربة مدمّرة لنا، خصوصاً أنّ اللواء عثمان هو الذي رفع السقف عالياً جداً خلال «إجتماع عرمون» الشهير منذراً بعقاب لا يرحم أيَّ ضابط يثبت تورّطه»، ويرى هؤلاء «أنّ ما يحصل ضربةً للأمن العسكري الذي يبذل جهداً لتنقية المؤسسة وتنظيفها من الفاسدين، لكن من دون ترجمة فعلية على الأرض تقود الى المحاسبة الفعلية الرادعة للآخرين».
الرئيس سعد الحريري دَخَل على خط القضية منذ اللحظة الأولى وأفتى، بعد حيرة، بأنه «يمشي بما يريده جنبلاط»، فيما الأخير أصدر قراره المبرم منذ البداية «لن أسمح بتوقيفه يوماً واحداً أو حتى نقله من مركزه»، مع العلم أنّ العقيد و.م خضع للتحقيق لثلاثة أيام ثم عاد الى مزاولة عمله كالمعتاد. المطّلعون يؤكدون أنّ اللواء عثمان لن يكون في استطاعته تحمّل عبء إقفال ملف بهذا الحجم إلّا بطلب صريح من الحريري بذلك… والأخير ينتظر جنبلاط!
عملياً، سجلّات المديرية حافلة بقرارات توقيف ومحاسبة ضباط كبار ينتمون الى «تشكيلة» طائفية وحزبية متنوّعة ثبت تورّطهم بملفات فساد منهم مَن طُرد من السلك، أو أحيل الى مجلس تأديبي أو سجن وخرج بكفالة. والتهم متنوعة من إختلاس أموال في المديرية والتلاعب بالفواتير الى قبض أموال من تجار مخدرات مقابل عدم توقيفهم أو تسهيل تنقلاتهم وقبض رشاوى لسكوت عن مخالفات وممارسة إبتزاز وتسريب معلومات عن عمليات دهم لإفساح المجال أمام هروب المتورطين وتسهيل نقل متورطين بتجارة مخدرات… وللمفارقة، فيما تحوم الشبهات حول عدد من ضباط في سلك قوى الأمن «طالعة ريحتهم» منذ سنوات عدة، ومعروفين بالأسماء، فإنّ ما يحصل داخل أروقة «المديرية» اليوم يدفعهم الى النوم على وسادتهم مرتاحين! وبالتأكيد، فإنّ عدم إحقاق العدالة في هذا الملف سيقود سواه، الى طلب إلغاء عقوبته، كأنها لم تكن، والضغط لعدم إحالته الى المجلس التأديبي. وبعد مجاهرة جنبلاط علناً بالدفاع عن ضابط متورّط بملف فساد، فإنّ مرجعيات سياسية لن تتوانى عن الدفاع عن «مكاسبها» الطائفية في الأسلاك العسكرية والأمنية برفع شعار «ممنوع الدق فينا»!