740521 دولار اميركيّ… مبلغٌ قد يكون “خياليّاً” بالنسبة الى أصحاب الدخل المحدود، لكنّه لا يساوي شيئاً عند السياسيّين وأهل الحكم والحكّام الذين ينفقون أضعاف هذا الرقم على حملاتهم الإنتخابيّة ومهرجاناتهم السياسيّة والحزبيّة وحتّى الفنيّة و”عشواتهم” شبه الشهريّة، ومع ذلك، نرى كيف أنّ هؤلاء بغالبيّتهم السّاحقة “يقطعون أيديهم ويشحذون عليها” عند أيّ قضيّة انسانيّة وإجتماعيّة، فيما يتقدّمهم بأشواط المواطن العادي في مبادراته ووقفاته الداعمة لشقيقه في الوطن “كلٌ بحسب إمكاناته وزيادي”.
أما بالنسبة الى ميشيل حجل فإنّ مبلغ الـ 740521 دولار اميركيّ، هو الحياة، هو الأمل، هو فرصة ثانية لولادة جديدة، هو حربها مع مرض سرطان الغدد اللمفاوية، الذي كانت تخوض معاركه وحيدةً مع عائلتها وخطيبها ومحبّيها قبل أن يلاقيها كلّ اللبنانيّين.
بتاريخ 11 ايلول 2018، لجأت ميشيل وعائلتها الى موقع “gofundme” المخصّص لإطلاق حملات التبرّع الالكترونيّ، وبدأت بجمع الأموال بوتيرة مقبولة، الى أن انتشرت قصّتها وارتفعت معها مبادرات “المحبين وهم كثرٌ”. بحسب توصيف شقيقتها بولا حجل.
بولا التي تحرص على شكر كلّ من ساعد شقيقتها وتلقي الضوء على مبادراتهم عبر حسابها الشخصيّ على موقع فايسبوك كما تفعل ميشيل من خلال صفحتها ومقابلاتها، تؤكّد في اتصالٍ مع “ليبانون ديبايت”، أنّ “نجاح العمليّة مضمون تبعاً للحالات الشبيهة التي خرجت منتصرةً على المرض، لكنّ الوقت ليس لصالحها ويجب تأمين المبلغ خلال أيّام للسفر بعدها الى الولايات المتحدة الأميركيّة حيث الشفاء سيكون من نصيبها”.
ولدى سؤالها عن وقوف أهل السياسة الى جانب الشابة التي لا تفارق الإبتسامة وجهها وتوزّع التفاؤل والإيمان والقوّة بتجربتها الصعبة وتمسّكها بالحياة، تشير بولا الى “الدعم الذي تلقّته ميشيل من وزير الخارجيّة والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، والنائبين سامي الجميّل والياس حنكش، هذا في العلن، من دون أن تجزم عدم وقوف آخرين سرّاً”. وتكشف عن وعد تلقّته من وزير الصحّة غسان حاصباني بالمساعدة وتأمين المبلغ المتبقّي عند انتهاء حملات الدعم واقتراب الموعد الأقصى المطلوب لإجراء العمليّة.
وفي جولة على “المبادرين” يمكن ملاحظة الكمّ الهائل من الناس ذوي الدخل المحدود و”اللي ع قدّن” الذين قدّموا المساعدة لميشيل، بالإضافة الى فنانين واعلاميين وممثلين ومطاعم وصالونات تجميل وملاهي ليليّة ودور سينما من بينهم جيلبير سلامة، وThe Rodge الذي سيقدّم عائدات حفله في 12 تشرين الأوّل لعلاج ميشيل كما ستفعل كلّ الحانات في The Village ضبيه. كما خصّص الإعلامي وسام بريدي يوم الأحد لميشيل في مطعمه قرنفلي في الجميزة تحت شعار “Order And Donate”. وكذلك يفعل Roadster وغيرهم كثر.
هذا وأجرت الإعلاميّة ريما نجيم مقابلة مع ميشيل ضمن برنامج “يا ريما” عبر صوت الغد، وخصصت “هوائها” للوقوف الى جانب إبنة الأربع وعشرين عاماً.
كذلك خصّصت بعض صالونات التجميل عائداتها الى ميشيل، مثل صالون داني عزام الذي يخصّص يوم الاثنين 8 تشرين الأوّل للتبرع بكلّ عائدات هذا النهار الكامل حيث ستساهم كل امرأة تقصد الصالون في انقاذ حياة حجل، كما يفعل ايضاً وفي اليوم نفسه صالون وسام سارجي وفيكتور كيروز.
والحدث الاضخم سيكون مساء الخميس ١٨ تشرين الاول في caprice مع الفنان جوزيف عطية.
هذه عيّنة صغيرة من المبادرات والمساهمين الذي يشعرونك أنّ “الدني بعدها بألف خير”، حتى أنّ 200 الف دولار فقط “حتى كتابة هذه الأسطر” تفصلنا عن اكتمال المبلغ وسفر ميشيل لتعود الينا ونحتفل جميعنا بشفائها.
وعلى الرغم من هذا المشهد الجميل والمؤثر، هل يعقل أنّ الدولة اللبنانية بمسؤوليها وساستها ورجالها لم يدعموا ميشيل منذ البداية ولم يحرّكوا ساكناً؟ هل يعقل أنّ الدولة عاجزة عن تأمين مبلغ 740521 دولار اميركيّ؟ الحملة بدأت منذ شهر تقريباً ولم يتأمن العلاج في حين ينفق هذا الرقم على عشاء حزبي او سياسي واحد؟ الا يعرف هؤلاء ان كلّ ساعة تمرّ ليست لصالح ميشيل وأن السرعة مطلوبة وضروريّة؟!
هنا تطلق الإعلاميّة غادة عيد صرخة، تسأل فيها: أين ضمير المسؤولين؟ نسمع عن سفرات ومواكب وأموال وصفقات فيما الشعب يشحذ أبسط حقوقه. وآخرها صفقة 18 مليون دولار بين مجلس الانماء والاعمار وشركة ميز في المطار. وهذه المقارنة والمفارقة لو حصلت في دول اخرى حتى العربية منها لكانت حصلت ثورات.
وتقول عيد:”وصلنا في التناقضات للأسباب التي تدفع الى الثورة لكن أين الثوّار على الواقع وعودة المال العام؟ قد يكون الضوء سلّط على ميشيل حجل بعدما تمكّنت من ايصال صوتها ولكن هناك المئات والالاف يعانين من المرض والمشاكل الصحية ولم يتمكنّوا من رفع الصوت”.
واستنكرت عيد ما يحصل مع حالة ميشيل رغم صورة الشعب الجميلة الذي تضامن من أجل المشاركة في علاجها، لكن هذا من ابسط واجبات الدولة أن تؤمن الرعاية الإستشفائيّة للمواطن الذي يقوم بواجباته كاملةً في دفع الضرائب من دون ان يلقى اي مقابل فيما القوانين لا تطبق الا على الضعفاء. فإننا للأسف بمثابة مواطنين بلا دولة.
ودعت عيد الناس الى التضامن مع ميشيل، وأن يثوروا على الجلادين والظالمين الذي يدفعوا بالمواطن الى طلب الدعم والمساعدة كبديل عن دولة غائبة مشغولة بالصفقات والمصالح الخاصة، حتى أنّ الدول المانحة بدأت تتحدث عن لبنان والوزراء والمسؤولين الذين يذهبون من أجل طلب الدعم في مظاهر لا توحي بالحاجة مع هذا الترف والإنفاق الخياليّ، وبعدما أصبح هؤلاء من اصحاب الثروات وتصدّروا الكثير من لوائح أغنى اغنياء العالم… فكيف على هذه الدول أن تساعدنا؟
وفي تعليقها عن ما يحكى عن منع الـ”LBCI”، قناة “MTV” من التضامن مع ميشيل في حفل ملكة جمال لبنان لعام 2018، قالت:”هذا مؤسف، وأنا أدعو كلّ وسائل الإعلام الى التضامن مع ميشيل والوقوف الى جانبها في هذه الفترة الصعبة. مذكرة في هذا السياق، أنّ نسبة الاصابة بالسرطان باتت الأعلى في لبنان مقارنة مع العالم، والسبب في ذلك يعود الى استباحة السياسيّين للبيئة والطبيعة، فبتنا في اكبر مستنقع من التلوث.
وختمت بالقول:”للأسف أكبر نسبة سرطان، ولا نملك ادوية العلاج، فيما اعتمادات وزارة الصحة هي اقل بكثير من باقي الوزارات ومشاريع الأشغال والإنماء والإعمار، والاستنكار لم يعد ينفع، اذ حان الوقت لثورة حقيقيّة”.
والى جانب الدعم المادي، تبقى الصلاة عامل القوة الأساس للصمود في وجه كلّ الامراض والأزمات، لذلك “لاقوا ميشيل ليل الخميس المقبل الساعة السابعة والنصف في محبسة مار شربل شو ما كانت ديانتكن”.
اشارة الى أنّ فترة علاج ميشيل في اميركا قد تستغرق حوالي الشهر، ويصادف عيد ميلادها في التاسع من تشرين الثاني، على أمل أن تتحقّق أمنية شفائها، ويكون هذا اليوم ولادة جديدة لمئة عام وعام ومستقبل مليء بالسعادة والحب والصحة والنجاح لأن… “الحياة بتلبقلك”.
وفي الختام، دروس كثيرة يمكن ان نتعلمها من قصة ميشيل، والوقوف الى جانبها لم يكن بسبب أنها وصيفة ملكة جمال لبنان 2016، فهي لجأت الى الناس طالبةً الدعم، في خطوة جريئة منها لاقاها فيها الجميع بمحبة، حتى انها اظهرت الدور الحقيقي لوسائل التواصل الإجتماعي التي باتت في الفترة الاخيرة مكاناً للفتن فكان ان اعادتها ميشيل الى هدفها الاساسيّ، لتكن منبراً للتواصل والتضامن والتكاتف في قضية واحدة باتت قضيتنا جميعنا.